في أحدى القضايا المتعلقة بإشانة السمعة يستمع القاضي إلى استنطاق الجن ويرفض البينة ويستبعدها حتى لا تكون مدعاة إلى اشانة سمعة الغير ونسبها إلى الجان .
تتلخص وقائع الدعوى في أن المتهمة س ج كانت تتعالج من مس من الجان عند شيخ من الشيوخ الذين يداوون بالقرآن ( يطلق لقب الشيخ لكل من يعالج بالقرآن او يدعي ذلك ويصدقه الناس ويطلق عليه بالعامية السودانية فكي ) ويبدوا أن الشيخ ذكر للمريضة أن بها جان جعل من جسدها مسكنا له وأن الذي اسكنه هي م ن (الشاكية فيما بعد) وأنها هي السبب في طلاقها من زوجها وهي التي أدت إلى إفساد عشرتها مع زوجها التي ترغب في الزواج منه، وتقوم س ج والمتهمة فيما بعد بنشر ما ذكره الشيخ لها في الحي بين قريناتها وقرينات الشاكية وينتشر الخبر في القرية بأكملها ، عندها تلجأ الشاكية إلى القضاء متهمة س ج بإشانة سمعتها بنشر خبر كاذب مفاده ما ذكر أعلاه . وبعد التحريات في النيابة العامة تم إحالة القضية للمحكمة للفصل فيها ، وبعد سماع قضية الاتهام واستجواب المتهمة توجه المحكمة التهمة للمتهمة وتسمع قضية الدفاع ومن ضمن شهود الدفاع الشيخ المعالج الذي أدى بشهادته أمام المحكمة والذي أكد أن الجن نطق بلسان المتهمة عند تلاوته للقرآن عليها من اجل علاجها وذكر أن العلاج مستمر وأن الجان مازال يسكن في جسدها ويمكنه إجراء ما تم عمليا في المحكمة وبالفعل تم تحديد جلسة لسماع أقوال الجن و يتطلب ذلك طقوس معينة وحددت الجلسة على أن تكون مغلقة يحضرها الأطراف ومحاميهم وبعض الشهود ممن سمعت شهادتهم وسأنقل لكم المشهد وأرجو أن لا يفتكر البعض أنه مشهد سينمائي أو مشهد من مسلسل مصري :
القاضي في منصته التي ترتفع عن مستوى أرضية القاعة الشيخ المعالج يجلس على كرسيه وأمامه المتهمة متمددة في تربيزة المحامين بملابس يسترها تماماً (وهي تربيزة مستطيلة طويلة يجلس عليها المحامين كل في انتظار قضيته والشهود على كراسي القاعة المخصصة للحضور يبدأ الشيخ المعالج بتلاوة القرآن وينتقي بعض الآيات من القرآن يبدأ جسد المتهمة بانتفاض وتزداد قوة وكأنها صعقت بتيار كهربائي ويخرج زبد ابيض من فمها ويسيل على جنبيها وتخور كخوار الثور ويمتلئ المكان رعباً وخوفا للشاهد القادم من عالم الجن وتشحذ عينيها وليس بها إلى البياض ويبدأ الشيخ المعالج بتوجيه الأسئلة إلى الجن الذي استنطق على لسان المتهمة وبصوت يختلف تماما عن صوت المتهمة بل صوت رجالي خشن ويبدأ الحوار التالي :
الشيخ : ما أسمك ؟
الجن الشاهد : أنا فلان الفلاني جني مسلم .
الشيخ : ماذا تفعل في جسد س ج ؟
الجن الشاهد : أسكن بها وجُعلت لي مسكناً ؟
الشيخ : من الذي جعله لك مسكناً ومن الذي سمح لك بدخول جسدها ؟
الجن الشاهد : لم اسكنه بخاطري ولم يسمح لي بالدخول بل أجبرت على ذلك من قبل الشيخ فلان.
الشيخ : من الشيخ فلان وكيف أدخلك ولماذا ؟
الجن الشاهد : أنه الشيخ فلان الذي يسكن بحارة كذا ويعمل بالسحر الأسود ويسيطر على بعض الجن ، وهددني بأن يحرقني بالقرآن إذا لم ادخل في جسدها وأعمل على الأضرار بها و تفرقتها من زوجها ، وقام بذلك لأن م ن ( الشاكية ) طلبت ذلك منه بمقابل مادي نقدي وأخرى عيني ولأنها مكنته من نفسها .
الشيخ : إنك تكذب وسأعمل على حرقك وقتلك ؟
الجن الشاهد : يحلف بالله أنه صادق .
الشيخ : ولماذا تسعى الشاكية إلى الإضرار بها ؟ .
الجن : لأنها تغار منها ولأنها كانت على علاقة بزوجها قبل زواجه منها .
ويطلب الشيخ من الجن الخروج من جسدها ويهدده بالإحراق يرفض الجان ويهدد بأنه سيخرج عن طريق عينها لتفقد بصرها ويصر الشيخ بأن يخرج بطرف أصبعها من القدم اليسرى فيرفض ذلك ويصر بالخروج عن طريق عينها وبأنه سيدخل في جسد أحد من الحاضرين وبالمناسبة في بداية الجلسة طلب من الحضور التحصن بتلاوة المعوزتين والإخلاص وآية الكرسي وأن يكونوا على طهارة . يطلب الشيخ التوقف حتى لا تضار المتهمة . يسأل القاضي الشيخ حول مدى صدق الجن من عدمه فيقول الشيخ يمكن ان يكون صادقا ويمكن أن يكون كاذبا .
القاضي عند تسبيبه في الحكم استبعد هذه البينة مسببا قراره بان قبول مثل هذه البينة ستكون مدعاة لارتكاب الجرائم ونسبه للجن ولقد قدم بحثاً قيما في تسبيب الحكم من كتب الفقه لا أتذكر نص القرار ولقد أيدته المحكمة العليا في قراره تسبيبا ومنطوقاً .
ولزملاء أضع هذه الوقائع فلينصب كل منكم نفسه قاضي ويقرر لنا ما الحكم الذي كان سيصدره البراءة أم الإدانة للمتهمة وما هي أسانيده .